برنار أوركاد، عالم الجغرافيا الفرنسي والمتخصّص في الشؤون الإيرانية، ومدير أبحاث فخري في المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS)، يتحدّث في هذه المقابلة عن المشهد الإيراني على ضوء حرب الـ12 يوماً

■ ما هي المفاعيل الداخلية للمواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة بالنسبة لإيران؟ وإلى أي درجة اكتسب النظام شعبية؟

- بعد الحرب على حزب الله من جهة، وسقوط بشار الأسد وإضعاف الميليشيات في العراق من جهة أخرى، أصبحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضعيفة جداً – خاصةً الحرس الثوري – وتفاقمت الانقسامات الداخلية. لكنّ الهجوم الإسرائيلي على إيران تحت ذريعة زائفة – إذ أكّدت أجهزة المخابرات الأميركية أمام الكونغرس في 15 أيار أنّ طهران لا تملك برنامجاً لصنع قنبلة نووية – سمح فعلياً بإعادة توحيد البلاد وتجاوز الخلافات الداخلية الحقيقية. داخلياً، يتّفق الجميع على وجاهة العديد من الانتقادات والضرورة الفعلية للمباشرة بإصلاحات، لكنّ الوحدة الوطنية تعزّزت. إسرائيل وترامب، للمفارقة، خدما مصلحة الجمهورية الإسلامية.

■ أنت تؤكّد أنّ التخصيب كان مجرّد ذريعة. ما هو الهدف الحقيقي للحرب؟ إضعاف إيران أكثر لخلق شروط لتغيير النظام؟

 

- أعتقد أنّ تغيير النظام لم يكن الأولوية. هدف إسرائيل هو إضعاف الأمة الإيرانية وليس الجمهورية الإسلامية. لم تقتل أي شخصية دينية رفيعة المستوى، ولا أي شخصية سياسية مركزية حتى لو أُصيب الرئيس في ضربة إسرائيلية. الشعب الإيراني هو المستهدف.
في 2015، عند توقيع الاتفاق النووي (JCPOA)، قبلت إيران بجميع عمليات الرقابة والتفتيش الدولية وشهدنا بداية صعود لطبقة وسطى في المجتمع الإيراني يمكنها الانفتاح دولياً، وهذا كان التهديد الرئيسي من منظور إسرائيل.

تل أبيب التي تمتلك 300 رأس نووي لا تخشى الخطر النووي الإيراني، هذا خطاب أيديولوجي بحت. بالمقابل، 92 مليون إيراني، هم بين الشعوب الأكثر تعلّماً في الشرق الأوسط، يعيشون في بلد قوي مندمج مع المجتمع الدولي، بأفكاره وتوجّهاته الخاصة، هذا ما يُخشى منه. إذاً، إيران كقوة إقليمية هي التي هوجمت، من أجل زعزعة استقرارها عبر تدمير برنامجها النووي. البرنامج يحظى بإجماع في المجتمع الإيراني: المساس بالنووي هو إيذاء للعلم الإيراني، لقد قُتل علماء وأكاديميون أكثر ممّا قُتل من أعضاء الحرس الثوري.

ترامب له نهج مختلف بعض الشيء، هو يريد إضعاف إيران دون الإجهاز عليها لأنّ الرئيس الأميركي لا يهمّه إن كانت الجمهورية إسلامية أم لا، قضية حقوق الإنسان لا تهمّه، ما يبتغيه هو توفير فرص للأعمال والصفقات. إيران بلد متطوّر جداً من الناحية الفكرية والعلمية، فيه نفط وغاز لمدّة 200 سنة أخرى وبالتالي فرصة لكسب المال.

 

ترامب يأمل أن تكون إيران سوقاً مفتوحة، وهذا السبب الذي يدفعه لمواصلة البحث عن حلّ لقضية النووي بشكل نهائي، ما يتيح بعد ذلك من تحقيق التقدّم على الجبهة الاقتصادية.
هناك أيضاً خوف تعبّر عنه إيران بانتظام، وهو وجود تيارات انفصالية بين الأكراد أو البلوش. هل هناك إستراتيجية زعزعة استقرار توظّف هذه التيارات؟

 

لم تَعد هذه الرهانات واقعية، ولا يتبنّاها جدّياً سوى الإسرائيليون أو الملكيون الذين يسعون لزعزعة استقرار إيران.
بالتأكيد هناك هوية بلوشية وسنّية أقلوية في إيران غير ممثّلة جيداً، وهناك أكراد يطالبون بحكم ذاتي منذ عقود، لكن لإيران هوية وطنية قوية جداً. قد تكون هناك محاولات لتوظيف تمرّد بلوشي أو كردي أو أي قبيلة تركمانية، لكن ذلك لن يؤدّي إلى تغيير النظام أبداً. تفصيل صغير: الاتحاد السوفياتي سقط ليس لأنّ الطاجيك أو الأوزبك ثاروا ضد موسكو، بل لأنّ غورباتشوف، زعيم الحزب الشيوعي، قرّر تفكيكه. التغييرات قد تأتي من داخل النظام الإسلامي نفسه، ويمكننا أن نتساءل، مَن سيكون غورباتشوف إيران؟

■ هل يمكن اعتبار أنّ هناك تقارباً حقيقياً بين إيران والسعودية أو قوى منافسة أخرى في مواجهة النزعات الهيمنية الإسرائيلية؟

- بالتأكيد، هناك تغيير حقيقي. قبل عامين، كان هناك خوف من التوسّع الإيراني، في رأيي غير مبرّر. رغبة إيران في إظهار قوّتها كانت بالأساس للردع. رؤية التهديد لدول مثل السعودية تغيّرت كثيراً بعدما اتّضح أنّ إسرائيل تسعى لضمّ غزة والضفة بعد قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، ولديها كذلك توجّهات للهيمنة في سياستها الإقليمية. السعودية ليست ضد إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل يوماً ما، لكن ليس بدون حلّ للقضية الفلسطينية. تسمح إسرائيل لنفسها بقصف بلد غير نووي بينما تمتلك هي 300 رأس نووي. إذاً، إسرائيل تبدو كتهديد فعلي لدول المنطقة أكثر ممّا كانت إيران. لذلك، السعودية، بشكل متناقض، تُدفع إلى أحضان إيران، والعكس بالعكس، بفضل إسرائيل.

■ كيف تعتقد أنّ موقف إيران سيتطوّر بخصوص الملف النووي؟

- من المؤكّد أنّ إيران تريد حلّ المشكلة النووية، هي لا تريد قنبلة ذرية، لأنها مكلفة جدّاً وسياسياً ستعزلها تماماً، إذاً غير قابلة للتطبيق إستراتيجياً. بالنسبة لإيران، التفاوض مع الأميركيين حول النووي إلزامي، أولوي، مطلق، وكان هناك إجماع على هذه النقطة فوق الخطابات. إذاً، يجب إيجاد حلّ.

المشكلة أنّ إسرائيل والأوروبيين يدعمون موقف «لا تخصيب، صفر أجهزة طرد مركزي». كانت هذه نظرية مطروحة في 2013-2014. لكنّ الاتفاق النووي سمح لإيران بالتخصيب دون تجاوز عتبة 3.67%، يجب العودة إلى ذلك، هذا واضح. التمنّي أن يكون لإيران صفر تخصيب، هذا طوباوية، استفزازٌ يعني أننا لا نريد التفاوض. إذاً، طرح ذلك، كما يفعل الفرنسيون والألمان والإنكليز حالياً، هو تأكيد على عدم الرغبة في إيجاد حلّ وتفضيل، بحكم الواقع، لحلّ عسكري سيخلق الفوضى. إسرائيل تريد خلق الفوضى في إيران، ليس لتغيير النظام بل لجعل إيران تتوقّف عن الوجود لعدّة سنوات كما حصل في العراق.

إذا فشل التفاوض، سيوضح ذلك رغبة واضحة جداً في دفع إيران إلى الجريمة، نوعاً ما؛ جعلها تنسحب من معاهدة الحدّ من الانتشار النووي وتصنع قنبلة ذرية. هذا تطور، برأيي، لن يحصل، لأنه يوجد في إيران رغبة من كل السكان بعدم الوقوع في هذا الفخّ الإسرائيلي. الوحدة الوطنية ستحافظ على النووي، من أجل حياة علمية، تكنولوجية، لكن محدودة كما كانت في 2015. إيران لن تنخرط في سياسة مفرطة، لم تعد لها أسس، إذاً سنصل في النهاية إلى حلّ.

■ نعم، لكن الولايات المتحدة، بعد إبقائها الوهم أنها لن تعترض على تخصيب في حدود ما ينص عليه الاتفاق النووي، تطورت بسرعة نحو الموقف المتطرّف متبنّية الرأي الإسرائيلي. هل تعتقد أنها يمكن أن تعود إلى هذا الموقف للتفاوض؟

- هذا هو النقاش كلّه. هل ترامب يطيع نتنياهو أم نتنياهو يطيع ترمب، لا نعرف، لكنّ النقاش موجود. قناعتي هي أننا إذا طلبنا صفر تخصيب، فهذا يعني أننا نبحث عن الحرب، الفوضى وعدم حلّ المشكلة.

الإسرائيليون أعلنوا أنهم لا يريدون النووي الإيراني، قصف ترامب المواقع بقنابله الخاصة لتدمير البرنامج مادياً لحلّ المشكلة والمضي قدماً. لسوء الحظ، أو حسن الحظ، هذا لم يكن حاسماً عسكرياً لأنه ليس بالقنابل نحلّ المشكلة النووية. بشكل متناقض، الكرة في ملعب ترامب، بينما قرّر الأوروبيون عدم فعل أي شيء. هذا مأساوي.

المصدر: اينا كنوش - الاخبار